قاد عدد من شخصيات المعارضة منذ عدة أيام وساطة لرأب الصدع ما بين رئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود، والأمين العام للحزب محمد المصطفى ولد بدر الدين، بعد الأزمة الحادة التي قد تنتهي بالقطيعة بين أشهر « رفيقين » في الساحة السياسية الموريتانية.
وبحسب مصادر « صحراء ميديا » فإن هذه الوساطة يقودها كل من يحيى ولد أحمد الوقف وعمر ولد يالي وموسى فال، وقد أجروا لقاءات مع طرفي الأزمة، وتشير المصادر إلى أنها وصلت إلى « نقطة اللا عودة ».
ومن المنتظر أن تصدر بعثة الوساطة تقريراً عن المهمة التي قامت بها، من المستبعد أن يتم نشره على وسائل الإعلام لحساسية الموقف.
وفيما تؤكد المؤشرات فشل الوساطة التي قادتها شخصيات المعارضة، بدأت وساطة أخرى من داخل الحزب، يعتقد أنها قد تلعب دوراً مهماً في تلافي « السيناريو الأسوأ ».
مسار الأزمة
الأزمة التي يشهدها الحزب المعارض بدأت عندما أصدر مجموعة من شبابه بياناً انتقدوا فيه تصريحات رئيس الحزب محمد ولد مولود حول العلمانية، حين قال إن المطالبة بتطبيقها في موريتانيا هو دعوة للفتنة.
قال هؤلاء الشباب الناشطون في صفوف الحزب إن تصريحات ولد مولود لا تمثلهم، بل إنها تمثل انتكاسة ودليلاً على التردي الفكري والسياسي الذي تشهده موريتانيا.
ولد مولود طالب بمعاقبة هؤلاء الشباب وفق نصوص الحزب، نظراً لما ألحقوه من ضرر بوحدة الحزب وتماسكه، وهو ما عارضه جناح يقوده ولد بدر الدين، اعتبر أنه لا يمكن معاقبة الشباب على إبداء وجهة نظرهم.
ولكن قيادة الحزب نجحت في تمرير العقوبات، وأصدرت اللجنة الدائمة بياناً أعلنت فيه أنها تلزم الشباب بإصدار بيان صحفي يتضمن ثلاثة نقاط هي:
- الاعتذار عما ألحقوه من ضرر بوحدة الحزب وسمعة رئيسه.
- إعلان سحب بيانهم الذي كان سبباً في الأزمة في وسائل الإعلام ومطالبتها بذلك.
- تجديد التزامهم بنصوص الحزب، خطاً وبرنامجاً وانضباطاً.
إلا أن هذه العقوبات أثارت حفيظة الجناح الذي يقوده ولد بدر الدين واعتبر أنها تسرع وقرار تم اتخاذه في الوقت الذي تسعى الأطراف للخروج بحل توافقي.
ودعا هذا الجناح إلى سحب هذه العقوبات والتراجع عنها، قبل الاستمرار في أي تفاوض أو وساطة.
السيناريو الأسوأ
تعد هذه هي أسوأ أزمة تمر بحزب اتحاد قوى التقدم منذ تأسيسه، وربما تنتهي بوقوع « السيناريو الأسوأ »، وهو تفكك الحزب وانشقاق جماعة منه لتأسيس حزب جديد.
هذا السيناريو المطروح بقوة، يرجح فرضية أن ينشق ولد بدر الدين لتلتحق به مجموعة من الشباب « العلماني »، من أجل تأسيس حزب جديد.
ويبدو واضحاً أن مسار الأزمة سيحدد بشكل كبير ملامح الحزب الجديد، فالأكيد أنه سيكون أكثر تمسكاً بمبادئ اليسار والقيم الشيوعية، التي يبدو أن حزب اتحاد قوى التقدم بدأ يتخلى عنها.
ولكن في المقابل سيفقد اتحاد قوى التقدم الكثير من قوته، خاصة وأن المعلومات تؤكد أن شخصيات وازنة من حجم محمد المصطفى ولد بدر الدين وكادياتا مالك جالو، على رأس المغاضبين.
نهاية الطريق !
من الواضح أن هذه الأزمة تتجاوز حزب اتحاد قوى التقدم، لتصل إلى العلاقة الشخصية بين اثنين من أشهر « الرفاق » في الساحة السياسية الموريتانية، محمد ولد مولود ومحمد المصطفى ولد بدر الدين.
منذ ستينيات القرن الماضي والرجلان يشكلان ثنائياً صلباً، تمكن من تجاوز الكثير من الأزمات والمصاعب، واستطاع مواجهة تقلبات الساحة السياسية والانقلابات العسكرية، وفترات المد والجزر مع مختلف الأنظمة الحاكمة.
لطالما كانت العلاقة بين الرجلين أقوى من كل الهزات العنيفة التي تضربها، إلا أن « مقطعاً صوتياً » لمحمد ولد مولود على الواتساب، يتحدث فيه عن العلمانية، كان قادراً على إحداث الشرخ.
ولكن بعض المراقبين يعتقد أن الأمر ربما يكون أعمق من مجرد خلاف إيديولوجي حول « العلمانية »، أو تباين وجهات النظر في التعامل مع « الشباب المتحمس »، وقد يكون وراء الأكمة ما وراءها.