
أزوكي ميديا (انواكشوط)-الشيخ محمد المصطفى ولد محمد محمود ولد الشيخ ولد انديله: فقيه نادر، ومجدد رباني
المقدمة:
الحمد لله الذي رفع قدر العلماء، وجعلهم ورثة الأنبياء، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، سيد المرسلين، وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإنّ من نعم الله على هذه الأمة أن يقيّض لها في كل زمن من يُحيي سنّة نبيّها، ويذُبّ عن حياض شريعتها، ويُرشد الناس إلى صراط ربهم المستقيم.
وفي أرض شنقيط، أرض العلم والورع، ظهر رجال عظماء، حملوا مشاعل الهداية، وكانوا منارات للعلم، ومن أبرَزهم في أواخر القرن الماضي: الشيخ الفقيه الورع محمد المصطفى ولد محمد محمود ولد الشيخ ولد انديله، الذي عاش للعلم، وأفنَى حياته في نصرة السنة، والدعوة إلى الله بالحكمة، والتوجيه الرشيد.
نشأته العلمية وبداياته:
ولد الشيخ محمد المصطفى في بيئة علمية محافظة، فشبّ على حب القرآن وعلوم الشريعة، متشبعًا بروح المحاظر الموريتانية الأصيلة.
كان من أوفى تلامذة الشيخ الجليل لمرابط الحاج ولد فحفو، الذي نهل منه العلم الصافي، وتربى على يديه في الزهد والتجرد والتحقيق، حتى صار من خواص أصحابه وأحبهم إليه.
وأثناء دراسته على الشيخ لمرابط الحاج، كان من مرافقيه في المحظرة كلٌ من:
سيدي ولد أحمد الشريف الأقلالي، ومحمد فال ولد لحبيب التركزي رحمه الله ، ومحمد احيد ولد سيدي عبد الرحمن المسومي، ومحمد احيد ولد الطاهر المسومي، وكلهم كانوا من طلبة العلم المجتهدين الذين جمعهم طلب الفقه والزهد في محظرة الشيخ.
وكان الشيخ يتميز بنباهة وسرعة حفظ، مع حافظة قوية، وقدرة على الاستحضار والتحليل، كما شهد له أهل العلم بذلك. وكانت له عناية خاصة بالمذهب المالكي، وعلوم الآلة، والعقيدة الأشعرية، ومتون السلوك الصوفي السني، حتى برع فيها وأصبح يُشار إليه بالبنان في المحافل العلمية.
ظهوره الدعوي وعطاؤه بعد العودة من داكار:
عاد إلى موريتانيا من داكار عام 1989، فعرفه الناس من حينها، حيث بدأ أثره يظهر في الفقه والتوجيه، وبرز كأحد الفقهاء الذين لا يُشترط بهم في المسائل.
كانت له مجالس علمية يدرس فيها الفقه المالكي، ويُرشد الناس في أمور دينهم، وينشر الوعي بحكمة ولين، ويذبّ عن السنة والعقيدة، ويقف في وجه التيارات المنحرفة، لا سيما تلك التي طعنت في الأشعرية أو أنكرت التصوف السني.
رحلاته إلى الحجاز والإمارات:
في 1994، ذهب إلى العمرة، وبقي في الحجاز إلى موسم الحج، ثم توجه إلى الإمارات العربية المتحدة حيث تولى الإمامة، وكان لصلاته وقع خاص، إذ عُرف بحسن الأداء وجمال الصوت وطمأنينة الحركات.
ثم عاد لفترة إلى السعودية، ثم رجع إلى الإمارات، حيث استقرّ حتى توفي فيها سنة 1997، وهو قائم على الدعوة، والتعليم، والعبادة.
دروسه في جامع قطر:
من أبرز محطاته التعليمية، تدريسه في جامع قطر حيث كانت له حلقة علمية منتظمة، درّس فيها الفقه، والإرشاد، والتوجيه، والعقيدة، وكان لا يملّ من تكرار النصح، والتحذير من الغلو والانحراف، وقد تميّز بوضوح العبارة، وحسن العرض، وجمال الأسلوب، مع تمكّن علمي، واطلاع واسع.
صفاته وشمائله:
كان الشيخ محمد المصطفى يتصف بـ:
• ورع بالغ، لم يُعرف عنه تكلف ولا طلب دنيا.
• تواضع عظيم، يرفض المظاهر والتكريم.
• غيرة شديدة على الدين، وخصوصًا في حماية العقيدة من الانحراف.
• حرص على السنة، لا يقبل بدعة، ولا يسكت عن باطل.
• نقاء في السريرة، وعفة في اللسان، وصفاء في المعاملة.
وقد شهد له تلاميذه ومن عرفه أنه كان إذا تكلم عن العقيدة أو الفقه، أظهر تسلسلًا منطقيًا وعقلانية مقنعة، لا تملك معها إلا أن تنصت وتستفيد.
الخاتمة:
برحيل الشيخ محمد المصطفى ولد محمد محمود ولد الشيخ ولد انديله، خسرت الأمة علمًا من أعلامها الذين جمعوا بين الفقه والزهد، وبين الصدع بالحق والرحمة في الدعوة.
لكنه وإن غاب جسده، فإن علمه ومواقفه وذكره العطر باقٍ في النفوس والقلوب.
رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وجعلنا من السائرين على دربه، المُحيين لسنّته، المُستضيئين بنوره.
كتبه الإمام محمدأحمد الملقب دحمد ول إطويلب إمام جامع العتيق في تجكجة ، احد ابرز مرافقي وتلامذة الشيخ