أزوكي ميديا( انواكشوط)-من ما لا مراء فيه أن الصناعة التقليدية فى موريتانيا بشقيها الرجالى والنسائي كانت هي الجسر الذى عبر عليه المجتمع الموريتانى حيث كان يعيش فى مرحلة البداوة والتنقل على ظهور الإبل والحمير والسكن المؤقت تحت الخيام والأشجار( المرحان) مع كل ما يتطلبه ذلك من وسائل ضرورية للحياة يتم إنتاجها جميعا بالأفكار الثاقبة واليد العاملةوعرق الجبين للصانع أو الصانعة التقليدية معتمدا على ما يحيط به من أشجار وأعشاب وصخور وغيرها يعتمدها كمواد أولية لتوفير هذه المنتجات الضرورية للحياة أنذاك فى الوقت الذى لا توجد فيه أسواق أجنبية صينية ولايابانية ولاتركية.......إلخ هذه الأسواق التي أصبحت اليوم تنافس و تزاحم كافة منتجاتنا المحلية فى مختلف المجالات.
وبعد هذه المرحلة بدأت مرحلة ثانية وهي مرحلة ما بعد الإستقلال والتى تزامنت مع تنقل المجتمع من مرحلة البداوة إلى مرحلة التقرى والتمدن ومحاولة الإنفتاح على الأسواق العالمية من أجل توفير الحاجيات الضرورية للحياة اليومية التى كانت تعتمد فيها على الصانع التقليدى كما ذكرنا سالفا.
وفى هذه المرحلة بالذات بدأ ظهور بعض التنظيمات المهنية فى قطاع الصناعة التقليدية وهي عبارة عن تعاونيات مركزية فى كل ولاية يسمونها محليا (أرتيزانا) ولكنها كانت قوية من حيث الإعتراف بها من طرف السلطات العمومية والتعامل معها وكانت توزع المواد الأولية ووسائل الإنتاج على منتسبيها من الصناع التقليديين فى كل ولاية كما أن رئيسها كان يحظى بمكانة معتبرة من طرف السلطات الإدارية ويستدعى لمختلف الأنشطة ويتم التشاور معه فى كل ما يتعلق بالقطاع.
ظلت هذه المرحلة قائمة حتى نهاية التسعينات حينما بدأ التفكير فى إنشاء تنظيمات مهنية جديدة أكثر تطورا وهكذا جاءت فكرة إنشاء مكتب التنسيق الذي تميزت هيكلته بإنشاء ثلاث إتحاديات وطنية ( إتحادية الصناعة التقليدية التراثية ـ إتحادية الحرف - إتحادية النساء) تدار كلها من طرف مكتب مركزي هو الذى يسمى مكتب التنسيق للصناعة التقليدية والحرف ولكن هذه التجربة لم تعمر كثيرا بسبب إنعدام أي إطار قانوني ينظمها وبسبب بعض الخلافات وتداخل الصلاحيات بين القائمين عليها أيضا .
ومع بداية القرن الحالى 2001-2002-2003 بدأ التشاور مع بعض الفاعلين والأطر الداعمة للقطاع وذلك من أجل إنشاء إطار قانوني رسمي يمكن من خلاله تسيير القطاع وضبطه وهو ما تمخض عنه بالفعل صدور المرسوم القانوني رقم 005 بتاريخ 14 يناير 2003 المتضمن لمدونة الصناعة التقليدية حيث تمت المصادقة على هذا القانون من طرف مجلس الوزراء و تمت إحالته لإعتماده من طرف البرلمان وهو ما تم ليبدأ العمل به فى سنة 2003 وتحدد المادة 18 من هذا القانون المنظمات المهنية للقطاع وذلك حسب التشكيلات التالية:
أولا )
الإتحاديات الجهوية للصناعة التقليدية والحرف و تنتخب من طرف جمعياتها العامة التى تتكون من كافة رؤساء الوحدات القاعدية فى جميع مقاطعات الولاية
وتتكون كل وحدة قاعدية من 10 منتسبين فى جميع الولايات ما عدى أنواكشوط وأنواذيب حيث تتكون الوحدة القاعدية من 20 منتسبا.
ثانيا)
الإتحاديات الوطنية وهي:
1) الاتحادية الوطنية للصناعة التقليدية التراثية
2) الاتحادية الوطنية للحرف
3) الإتحادية الوطنية للصناعة التقليدية النسوية والحرف.
وتنتخب هذه الإتحاديات من طرف جمعياتها العامة التى تتكون من المناديب الوطنيين للصناعة التقليدية والحرف وذلك بمعدل ثلاث مناديب عن كل مقاطعة يمثلون الإتحاديات الوطنية الثلاثة ما عدى مقاطعتى أنواذيبو وأكجوجت حيث يمثلون بمندوبين لكل إتحادية وطنية.
ويتم إنتخاب هؤلاء المناديب الوطنيين عن طريق الجمعيات العامة لإتحادياتهم الجهوية.
ثالثا)
الغرفة الوطنية للصناعة التقليدية والحرف
وهي عبارة عن مؤسسة عمومية ذات طابع مهنى تتكون من الهيئات التالية
- الجمعية العامة (القنصلية)
- المكتب التنفيذي
و يتم إنتخاب الجمعية العامة من طرف الجمعيات العامة للإتحاديات الوطنية وذلك بمعدل 20 قنصلا عن كل إتحادية أي ما مجموعه 60 قنصلا تمثل برلمان الصناعة التقليدية والحرف.
وتنتخب هذه القنصلية من بين أعضاءها مكتبا تنفيذيا للغرفة يتكون من 5 أعضاء
(رئيس - نائبان للرئيس - مسؤول مالية ونائبه)
ويكتمل المكتب التنفيذي للغرفة ( ثمانية أعضاء) بإضافة رؤساء الإتحاديات الوطنية الثلاثة اللذين يعتبرون أعضاء أستحاققين مباشرة فى هذا المكتب.
نشير إلى أنه توجد أيضا إتحاد تعاونيات للصناعة التقليدية والحرف وذلك على مستوى كل مقاطعة وكل بلديةلم يتم تنصيبها حتى الآن منذ إعتماد المدونة.
ولقد بدأ الإنتساب وتنصيب الإتحاديات الجهوية سنة2003 ثم توقفت العملية بسبب الأوضاع السياسية للبلد آنذاك ولم يشرع فى إكمالها إلا سنة 2007 معتمدين على مخرجات الإنتساب السابق 2003.
ووفقا للمرسوم رقم 048/2003 بتاريخ 24/6/2003 وبالتحديد المادة 6 من الفصل الثاني فإن مأمورية المكتب التنفيذي للغرفة تحدد بثلاثة سنوات فقط تبعا لمأمورية القنصليةو تتم بشكل دورى بين الإتحاديات الوطنية الثلاثة
وكانت المأمورية الأولى من نصيب الحرفيين 2007 - 2010 إلا أنها لم يتم تغييرها إلا عن طريق القضاء لتبدأ مأمورية الصناعة التقليدية التراثية 2010 - 2013 وأنتهت هي الأخرى بخلافات أدت إلى تدخل الوزارة الوصية لتنتخب عن طريق الجمعية العامة للغرفة مكتبا مؤقتا لمدة سنة واحدة عهد إليه بالإشراف على تجديد كافة هياكل القطاع منتهية الصلاحية وكان هذا المكتب برئاسة الحرفيين بنفس الرئيس السابق
ومنذ 2013 لم يتمكن الفاعلين ولا الإدارة الوصية من تجديد الهياكل ولا تغيير المكتب المؤقت حتى سنة 2020 حينها تمكنت الوزارة وبتوصيات جادة وصريحة من رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني من إستدعاء اللجنة الوطنية لإعادة الإنتساب المنصوص عليها في المدونة وباشرت عملها بشكل متواصل رغم ظروف جائحة كرونا آنذاك حتى تم تجديد كافة الهياكل وأنتخاب مكتب جديد للغرفة أصرت الوزارة حينها تطبيقا لما ورد فى المدونة أن تكون من نصيب النساء لأول مرة وتم قبول القرار من طرف الجميع حيث تمخض عنه المكتب التنفيذى الحالى للغرفة منذ 25/03/2020 والذي إنتهيت مأموريته منذ ستة أشهر ولم يجدد حتى الآن مع أنه فى خرق سافر للقانون لم يعقد منذ إنتخابه إلا جمعية عامة واحدة للقنصلية على خلاف ما هو وارد فى المدونة والتى تنص على حتمية عقد إجتماعين للقنصلية كل سنة.
وأنطلاقا من الإرادة الجادة لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني ووفاء بتعهداته فى المأمورية الأولى فقد تم إنشاء برنامج وطنى يعنى بتطوير وترقية قطاع الصناعة التقليدية وخصصت له موارد بشرية ومادية معتبرة إلا أن تداخل الصلاحيات بينه وبين إدارة الصناعة التقليدية من جهة وضبابية العلاقة بينه وبين الهيئات المهنية للقطاع وتداخل الصلاحيات بين هذه الأخيرة مع بعضها وعدم مراجعة المدونة ليتم تحديد الصلاحيات والخلافات الموجودة بين مختلف الهيئات إضافة إلى قلة الموارد المالية المخصصة للغرفة وعدم تخصيص موارد للإتحاديات الوطنية ولا الجهوية من ميزانية الغرفة وغيرها من القضايا المختلفة كلها جعلت القطاع لا يزال يراوح مكانه فلم تتحقق بعد إرادة الرئيس الجادة فى تطويره والرفع من مستوى منتسبيه لا عن طريق هياكله المنتخبة حتى الآن والمنتهية الصلاحيات ولا عن طريق البرنامج الوطنى لترقية الصناعة التقليدية الأمر الذي جعل الجميع لا يزالون يشبكون سواعدهم فى إنتظار قرارت جادة لتطبيق إرادة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني والتى تهدف وبشكل صريح وواضح إلى تطوير هذا القطاع وجعله فى مصاف أنظاره فى جميع الدول المجاورة والرفع من المستوى المادى والمعنوي لمنتسبيه وكافة الفاعلين فيه.
واليوم وقد تم ربط قطاع الصناعة التقليدية والحرف مع قطاع التكوين المهنى وأعطيت قيادته لمهندس خبير يعرف من أين تؤكل الكتف فى هذا المجال معالى الوزير محمد ماء العينين ولد أبيه وذلك وفقا لهيكلة الحكومة الجديدة التي يقودها رجل المهمات الصعبة والإدارة الجادة والقرارات الصارمة معالى الوزير الأول المخطار ولد أجاي تطبيقا للتعليمات الواضحة والطموحات الجادة لفخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني فى الأسابيع الأولى من بداية مأموريته الثانية والمباركة إن شاء الله.
فإن كافة منتسبى قطاع الصناعة التقليدية والحرف والفاعلين فيه والأطر الداعمة لهم ليستبشرون خيرا و ينتظرون بكل تلهف الهيكلة الجديدة والقرارات التى ستصدر من طرف الوزارة الوصية لتكون بإذن الله البداية الحقيقة لتحقيق الأهداف التى كانوا ينتظرونها منذ الإستقلال إلى اليوم.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وعلى الله قصد السبيل
بقلم الأستاذ/
محمد الأمين ولد أطراح
خبير فى مجال المنظمات المهنية لقطاع الصناعة التقليدية والحرف عن طريق التجربة