في عام 2015 كتب صديقي وزميلي المميز أبو بكر أحمد الإمام تقريرا حول ظاهرة استغلال الشباب في سياق الحملات السياسية من قبل عدد من الأحزاب والقوى السياسية، ليكون الشباب بذلك ديكورا وزينة للحملات فقط، ولا شيء آخر، لكن تلك الظاهرة تطل من جديد في خضم الانتخابات المزمعة والتي تدور رحاها بعد إيداع عدد من الأحزاب لوائحهم المرشحة للانتخابات البلدية والتشريعية والجهوية.
ونظرا لكون غالبية الشعب الموريتاني هي من الشباب، فإن هؤلاء ليسوا بمنأى من إدراجهم في قوائم اللجان التنظيمية في الحملات الانتخابية، بل وحتى استخدامهم كمحرك وهيكل لعربة المشروع السياسي قبل التحقق، إلا أن ذلك المكان الذي ملأه الشباب في عملهم السياسي والتنظيمي سرعان ما يشغل بأشخاص آخرين، ويتم التنكر لهم ولمجهوداتهم وقواهم المستهلكة، وتدفن أحلامهم والبرامج الانتخابية التي كانت تستهدفهم في تربة النسيان.
فمنذ عهد الحكم السابق منذ الثمانينيات وحتى مطلع الألفية، كان الشباب المحرك "متعدد الأسطوانات" الأساسي للحملات الانتخابية، الذي لا يعرف التعب، والذي يتم التلاعب به، واستمالته بشكل مقيت، وتقديم الوعود له بالتشغيل والتأهيل والتأطير، لكنها لا تعدو كونها وعودا ورقية، قماشية، جوفاء، لا تلبس من الحقيقة ما يلبث حتى نهاية الحملة، حيث تذروه الرياح، لينقلب السياسيون على الشباب، في دوامة من التهرب والاختباء، والنكران الذي يندى له الجبين.
الآن وبعد مرور 13 عاما على مغادرة ذلك النظام، ما يزال العشرات من القادة السياسيين يمخرون جسم السياسة الموريتانية كالداء والوباء، ينشرون الممارسات القديمة، التي تؤكد يوما بعد يوم للشباب الموريتاني أن شيئا لم يتغير، رغم الأجواء الديمقراطية، والمناخ التنافسي الذي حققه نظام رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، وما حققته حكومته المؤسسة على الكفاءة والشفافية، بقيادة المهندس يحيى ولد حدمين.
ما يزال الماضي يلاحقنا، ما زال الدب القطبي، يحتكر القيادة والفائدة لنفسه، رغم ما أفسده خلال عهوده الطويلة في استغلال مقدرات المجتمع المحلي، وإجهاد مصادره المادية والبشرية، وهو ما يولد الكثير من الحنق في أوساط الشباب والنساء والكهول ممن ضلوا الطريق وهم يتبعونه سنين طوالا.
ولعل المدينة التي أنحدر منها، هي أكبر شاهد على التخلف الحاصل في البلاد رغم مقدراتها البشرية، وثرواتها الزراعية والتنموية، فما تعيشه مقاطعة الركيز من تراجع في جميع المستويات، من خدمات ومنشآت البنية التحتية، وغياب الأساسيات لحياة آدمية كريمة، هو أكبر نموذج يشكل عائقا في وجه التنمية المحلية، فمنذ تأسيسها في النصف الثاني من القرن العشرين، ما تزال الأعمدة الخشبية والحظائر المكونة من الحشائش وجذوع الأشجار، هي الطابع المعماري الذي يميزها، من الصعب أن ترى جدارا واحدا، ولا أن تتبين المخطط الطرقي لتداخل المساكن وحظائر الحيوانات، في غياب واضح لوجود المنتخبين البلديين الذين انهمكوا في تحصيل جانبهم من الحياة الدنيا، وبناء قصورهم وسط المدينة، متغافلين عن عطش السكان، ومعاناتهم بعد أن استغلوا الشباب في البلدية والمقاطعة والذين يشكلون نسبة 80 في المائة من السكان.
هؤلاء الشباب الذين تم استغلالهم في حملات سياسية واستغلال أصواتهم، تم التنكيل بهم، ومحاولة إذلالهم، فالملعب الوحيد الموجود في المقاطعة، لا يمتلك جدارا، ولا مقاعد، ولا حنفية مياه على الأقل، فما بالك بالغياب الكامل لدور الشباب، والمكتبات، والحدائق العامة، التي يجب أن تكون متنفسا للشباب ومكانا لتفتق مواهبهم ومساعدتهم على أن يفيدوا مجتمعهم، ويخدموا وطنهم.
إن كل هذا الخذلان الذي مارسه العمد منذ قيام المقاطعة، أدى بشريحة واسعة من الشباب المواطنين إلى الانحدار إلى مستويات عدة، والتخلي عن شهاداتهم، والعمل في مهن يدوية، كسائقي سيارات، أو بائعي رصيد، رغم أن فئة كبيرة منهم تعيش حياة بطالة بكل المقاييس، بعد أن تم وعدهم بالتشغيل والتكوين والتوظيف والتعيين في حملات سابقة، وعدد كبير من الشباب دفعه اليأس إلى الانخراط في صفوف حركات متطرفة، ومنها ما قاده ذلك لأحزاب راديكالية.
فتماما كما يشبح القماش الملون، ويستخدم في كل شيء لتزين المنصات الاحتفالية والمهرجانات الخطابية في مقاطعة الركيز، يستغل الشباب المتنوع والمشكل من مختلف الفئات الاجتماعية، ويتم إشغاله في مختلف أنشطة الحملات، زينة للتباهي به، وبحضوره، ومظهرا لزيادة الكم الجماهيري، قبل أن يتم رميه في مستنقع النسيان حال ما تنتهي الانتخابات.
لا يكمن الحل سوى في إنهاء معاناة الشباب الموريتاني وتخليصه من الجاثمين على أنفاسهم، من منتخبين لا يهمهم سوى زيادة أرصدتهم البنكية، والصعود على ظهور الأجيال، متغافلين عن تطوير بلدياتهم المتخلفة.