بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على سيدي و مولاي رسول الله؛
أستفتح بقول الله تعلى، بعد بسم الله الرحمن الرحيم {رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي} صدق الله العظيم.
تقسم السياسية الأمريكية إلينورروزفلت العقول إلى:عقول كبيرة تناقش الأفكار،عقول متوسطة تناقش الأحداثو عقول صغيرة تناقش الأشخاص.
وحدهم أصحاب العقول الكبيرة أشياخي و المتوسطةأقراني، هم من أتوجه إليهم، أقاسمهم و أستأنس بهم.
أ) بانوراما معركة الفوضى الانتخابية:
1382 لائحة ل 219 بلدية و 156 ل 13 جهة، تتنافس على700000مصوت-في أحسن الظروف- و ليس ناخب،و تتصارع على بقايا بنية اجتماعيةمعقدة هشة و محتقنة منذ عقود، و الحبل على الْجَرَّارْ-على رأي إخوتنا السوريين- بالنسبة للنيابيات.
مشهدمقلق، وينبئ ليس فقط بانتخابات ساخنة و إنما ب: مخاض عسيرسيولد بعده -شئنا أم أبينا-واقع سياسي جديد و خارطة سياسية جديدة؛اندحار شبه كامل للنخب السياسية المدنية و التقليدية،مقابل سيطرة تامة لِسياسيِّيُنصْ كُمْ-على رأي إخوتنا المصريين- و لدعاة الفتنةو للغوغائيين على المشهدين السياسي و الانتخابي؛انقساممجتمعي أفقي و عمودي؛ تحويلنيجاتيف الصورة السياسية و المجتمعيةالتي طالما حرصنا جميعا على تجاهلها و عدم التمعن فيها و محاولة إخفائها،إلى صورة رقمية ثلاثية الأبعاد -بدون فوتوشوب- لموريتانيا ما بعد.
إن الوضعية السابقة بعناصرها المختلفة، ليست سوى حصيلة، أو بالأحرى خلاصة، لتضافر و تفاعلالعوامل التالية:
1. مشهد سياسي أقل ما يقال فيه بأنه رديء، يتشكل أساسا من: أحزاب سياسية هشة يغيب عنها الطابع المؤسسي، و هو أمر أدركه رئيس الجمهورية فباشر بنفسهعملية إصلاح و مأسسة الحزب الحاكم و الرفع من مستوى التشاركية فيه و هي بادرة تحسب له؛ ومن أقطاب و كتل سياسية رخوة تولد ولادة قيصرية سرعان ما تتفتت أو تتلاشى بفعل عدم الانسجام و انعدام الثقة و تضارب المصالح؛ و أخيرا و ليس آخرا نخب (أغلبية الفاعلين و كبار الناخبين و مجموعات الضغط) تستمد قوتها السياسية من مصادر غير حزبية (الجهة،العرق، القبيلة، شبكة العلاقات الاجتماعية و المهنية، الثروة...إلخ).
2. تمييع المشهد السياسي، من خلال الإستقالة الطوعية أو الجبرية أو الإقصاء الممنهجلأغلب الكفاءاتو الخبراتالسياسية على ندرتها، مقابلهيمنة تامة لجحافلالهواة و الغوغاء و الرعاع و الرعن على الحراك السياسي وعلى مفاصل الفعلفيه،و تصدرهم للمشهدخلسة بلا مؤهلات و من غير رخص الاحتراف السياسي.
3. إنفجار طموح -حتى لا أقول طمع- شغل المناصب الانتخابيةبسمات متعددة تتراوح في أغلبها ما بين الغفلة و الجهل و الرعونة. طموح عصي على كل فهم، خالي من كل منطق، متمرد على كل معيار، مفكك لكل بنيةسياسية كانت أم اجتماعيةو مشتت لكل جهد.
4. ترشيحات فقيرة في معاييرها، قليلة الموضوعية في خياراتها،ضعيفة في فعاليتها، مرتبكة في توجهاتها و في دلالاتها، ومربكةلتوازنات اجتماعية طالما ضمنت-على علاتها- حدا أدنى من توازن المصالح المتنافسة أو المتعارضة للمجموعات، و قلصتمن إحتمالاتالإحتكاك فيما بينها.
لم يطل الإنتظار، فقد جاءت النتائج سريعة:مشهد فريد من نوعه،يختلطفيه حابل معارك كسر العظم بين لوبيات" النفوذ و المال" بنابلالفوضى الانتخابية المُقَوِّضَة؛ إستقطابجهوي-عرقي-قبلي-فئوي حاد بدل الاستقطاب السياسي (موالاة و معارضة)المعهود.
ب) راحت السكرة و جاءت الفكرة:
أسابيع معدودة،و يسدل الستارعلى المشهد السابقبخشبته و بأبطاله و بديكوره و بجمهوره، وقتها تذهب السكرة (نشوة إقصاء الخصوم)و تأتي الفكرة(تسيير التداعيات و التعقيدات)على رأي إخوتنا المشارقة، فتسقط الأقنعة و تُتَدافَعُ المسؤولية. في العرف الإنتخابي، لا بد منالحِسابْ(الدَّفْعْ) على المشاريب-على رأي إخوتنا السوريين- وأيضا على الأواني المكسورة -على رأي أصدقائنا الفرنسيين-، عندها تختفي وجوه كانت تتصدر المشهد و تتهاوى رؤوس كان ينظر إليها كمراكز للقوى، فمن عليه الدور يا ترى؟
دعونا الآن ننتقل للأهم، يقول الكاتب الأمريكي جيمس فريمان كلارك " إن الفرق بين السياسي ورجل الدولة هو أن الأول يفكر في الانتخابات القادمة بينما يفكر الثاني في الجيل القادم ".
مما لا شك فيهبأن خياراتنااليومو ليس غدا،هي من يؤسس لوسم مستقبلنا المنظور والمخفي، و هي أيضا من يحدد مستوى أداء نظامنا السياسي و درجةوثوقيته و قابلية استمراره. إن الحس السليم مَشُوبٌبقليل من المنطق وبِدَانِقٍمن المسؤولية،يحتم علينا سرعة العمل على:
1. وضع ترتيبات سياسية محكمة، ملائمة و مناسبة للمرحلة، مصاغة و مرتبة من لدن رجالات دولة و رجالات مجتمع،بعيدا عنتطفلمدمني السياسةو مرضىالمناصب و مُحيكيالدسائس و المكائد.ترتيبات بعيدة عنالإرتجاليةو عنالعاطفية و عن العبثية، و خالية من الصراعاتالصبيانية ومن تصفية الخصوم في الجبهة الواحدة.
2. تطيين " سمنتة " فسيفساءالمشهد السياسيبشكليسمح ب: إنتاجخارطة سياسيةواضحة المعالممتماسكة الأقطاب؛استقرار سياسيو لوشكليحيث لا بديل؛تسيير محكم و آمنلإرتداداتالتحولات و التقلبات السياسية و الاجتماعية المستقبلية التي لا مفر منها.
3. إعادة ترميم الوحدة الوطنية و تقوية النسيج الاجتماعي،و هي أمور لن تتأتى إلا من خلال: إعادة بناء الجسور بين مكونات المجتمع، وتذويب مناخ الشك والريبة -حتى لا أقول التنافر- الذي بات يطبع العلاقة بين تلك المكونات؛ إعادة النظر في الظروف التي يجب توفيرها، من أجل بناء تماسك اجتماعيوفق منطق الحوار التوافقيالمجتمعي؛إيجاد سبل لتناول تركة الماضي (القريب و البعيد)بطريقة بناءة وموضوعية.
و أختمبقول الله تعلى،بعد بسم الله الرحمن الرحيم {للهِ الأمرُ من قبلُ و من بعدُ} صدق الله العظيم.