استدعت شرطة الجرائم الاقتصادية الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز صباح يوم الخميس 07/01/2021 للتوقيع على محاضر فارغة لم تمهر بكلمة واحدة صدرت منه حيث ظل متشبثا بحصانته من المساءلة التي تخوله إياها المادة 93 من الدستور. ورغم أن اللقاء لم يستغرق دقيقتين حيث طلب السيد المدير من الرئيس توقيع محاضر استدعاءاتهم له والأسئلة التي طرحوها عليه، فرفض متمسكا بحصانته التي تمنحه إياها المادة 93 من الدستور؛ فإن جميع مواقع منصة موريتانيا الآن قد تناولته وعلقت عليه. وذهب بعضها إلى طرح بعض الأسئلة. وهذه ملاحظاتنا على بعض تلك التعليقات، وجوابنا على أهم تلك الأسئلة:
1. فمن حيث الشكل. يبدو أن صحافتنا، رغم عمرها الطويل نسبيا، ورغم اهتمامها بما يهب ويدب في العدالة، ما تزال تلتبس عليها بعض المصطلحات، مثل “البحث الابتدائي” و”التحقيق” وتخلط بين هوى الصحفي وما يراه منطقيا وعدلا وبين القاعدة القانونية الآمرة المسطورة في الدستور أو المسنونة من طرف المشرع.. ولا هم يحزنون! أما سلامة اللفظ ودقة المعنى وجمال القالب الأدبي وما يترتب من تدقيق وسلامة لغوية ونحوية، وحتى تاريخية، فكلها أمور ما تزال تحتاج إلى كثير من العناية المركزة؛ فمثلا أرخ أحد المواقع الاستدعاء المحدث عنه بيوم 07/1/2020!
2. ومن حيث المضمون:
* نحن نعلم أن من بين صحافتنا (مواقع ومدونين) جبلا كثيرا لا يبحث في تعاطيه مع هذا الملف عن الحقيقة، ولا عن أداء رسالة الإعلام المقدسة التي هي سبب وجوده؛ وإنما هدفه الأول والأخير هو تحقيق مآرب أخرى وربح سياسي يزيد رصيد حزبه السياسي المعادي لموكلنا بسبب انتهاجه سياسات وطنية أضرت بمصالح وامتيازات البعض. فهؤلاء لا نلومهم على عدم الموضوعية والتجني على موكلنا. فنحن نحاول أن نكون منصفين وندرك جيدا خلفيات مواقفهم. ولكننا نأخذ على الذين لديهم نصيب وحظ من المهنية والالتزام اقتداءهم بذلك الصنف، وسيرهم أحيانا على خطاه بوعي أو بغير وعي! الشيء الذي أضر كثيرا بالحقيقة وأخرج هذه القضية من سياقها، وألبسها لبوسا آخر أضر بالشعب والدولة والوطن! وهذا ما عبر عنه بحق أول رئيس لـ”لجنة التحقيق البرلمانية” وعضوها، رئيس الوزراء الأسبق، النائب يحي ولد الوقف؛ حين قال منددا بانحراف تلك اللجنة عن نسقها المعلن، وبدور “الإعلام” في ذلك الانحراف: “عند ما ينظر الإعلام إلى التقديم الذي قدم به النواب عملهم يرى أنهم لم يتكلموا عن العشرية ولا عن النظام ولا عن الرئيس، تكلموا عن قطاعات معينة يريدون التحقيق فيها. ثم إن رئيس الجمهورية ليس مسؤولا بشكل مباشر عن التسيير؛ فالدستور واضح في أنه لا تمكن متابعته حول تسيير أي مرفق من المرافق العمومية. فحسب الدستور لا تمكن متابعته إلا في حالة الخيانة العظمى. فالإعلام ركز على العشرية وعلى النظام؛ في حين أن ما يسعى إليه النواب هو قيام البرلمان بدوره في رقابة الحكومة، سواء كانت هذه الحكومة أو الحكومات السابقة. وبالتالي يظهر لي أن الإعلام أخرج اللجنة من نسقها الحقيقي”.
* يبدو أن جوابنا يوم الخميس على بعض أسئلة الصحافة قد فهم على غير وجهه. فقد قلنا إن الرئيس رفض توقيع المحاضر مثلما رفض الرد على أسئلة الشرطة، لأنه يتمسك بمقتضيات المادة 93 من الدستور التي تحصنه من المساءلة. فزاد بعضهم “والتي تجعل محاكمته من اختصاص محكمة العدل السامية، وليس من اختصاص القضاء العادي”. وهذه الزيادة تخلق غموضا يجب توضيحه. ولتوضيح ذلك الغموض نقول: إن الرئيس يتمسك بمقتضيات الفقرة الأولى من المادة 93 من الدستور التي تمنحه – وتكفل له- الحصانة، وتمنع مساءلته عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته، إلا في حالة الخيانة العظمى؛ إذ تنص تلك الفقرة بالحرف الواحد على ما يلي: “لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى”. ومن المهم هنا أن نوضح مسألتين غامضتين على غير أهل الاختصاص، وزادهما بعض أهل الاختصاص غموضا بتسويق فتاوٍ غير قانونية ولا منطقية أريد بها وجه الباطل. والمسألتان هما:
– أن الحصانة وعدم المساءلة حسب ما تراه مدرسة القانون المدني التي تستمد جذورها من التراث القانوني الأوروبي؛ وخاصة القانون الروماني، وتطبق القانون المكتوب الصادر عن الشعب (الدساتير) أو عن المجالس التشريعية (والتي تنتمي إليها أوروبا – عدا بريطانيا- وإفريقيا وجل العالم العربي) تستند إلى مكانة الشخص لا إلى فئة الأفعال المرتكبة. وعلى أساس ذلك رفض القضاء في فرنسا وبلجيكا الطلبات التي تقدمت بها المنظمات الأوروبية في نوفمبر 1998 لمحاكمة لوران كابيلا رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية أثناء زيارته للدولتين.
– أن تهمة الخيانة العظمى لا توجه إلا إلى رئيس في السلطة؛ وهي تهمة سياسية بامتياز، وعقوبتها العزل. وبالتالي، فلا سلطان لمحكمة العدل السامية على رئيس لم يعد في السلطة.
* تساءل بعض الإعلاميين في الداخل والخارج فقالوا: “ما ذا تتوقعون أن تكون الخطوة القادمة في حالة الإحالة”؟
وجوابنا أننا نتوقع ببساطة في حالة الإحالة، أن تحفظ النيابة الملف لثلاثة أسباب:
– أن الملف الذي أسس على تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” لا يحتوي على ما من شأنه أن يشكل فعلا يجرمه ويعاقبه القانون إطلاقا؛ يضاف إلى التقادم وعدم رجعية القوانين. وذلك رغم ما أشيع حوله من أكاذيب. وها هو تقرير تلك اللجنة بين أيدينا. ومن غير المتوقع أن تضيف إليه شرطة الجرائم الاقتصادية شيئا معتبرا قانونا.
– أن الملف بني على تقرير “لجنة التحقيق البرلمانية” وقد بينا في بحوثنا، بما لا يدع مجالا للشك أن تلك اللجنة لا أصل لها ولا فرع في الدستور الموريتاني. وبالتالي فهي باطلة. وعملها باطل. وما بني على باطل فهو باطل.
– أن الرئيس السابق لا تمكن مساءلته بسبب حصانته الصريحة المنصوصة صراحة في الفقرة الأولى من المادة 93 من الدستور.
– أن الوزراء المشمولين في الملف لديهم امتياز قضائي يجعل مساءلتهم من اختصاص محكمة العدل السامية وليس من اختصاص القضاء العادي؛ وذلك بمقتضى الفقرة الأخيرة من نفس المادة 93 من الدستور؛ ولا يخفى على أحد أن خرق الدستور نكران للعدالة، وجريمة وخيانة عظمى.
أما إذا رأت النيابة العامة غير ذلك، لأسباب غير عادية، فاتهمت وأحالت إلى قاضي التحقيق، أو عهّدت إحدى المحاكم مباشرة، فإن القضاء الجالس سيعلن – لا محالة- عدم اختصاصه ويقول ما قاله القاضي الأمريكي في معظم طعون اترامب في نتائج الانتخابات الأمريكية: “ليس من اختصاص القضاء خرق الدستور”. ونحن نثق في قضائنا.
– وأخيرا، وهو سبب سياسي بامتياز، وتجب مراعاته من زاوية مبدأ الملاءمة. إن فتنة “لجنة التحقيق البرلمانية” هدفها الأول والأخير إضعاف مؤسسة الرئاسة لحساب البرلمان في نظام رئاسي. ثم استهداف رئيس الجمهورية الحالي بتجريده من حلفائه الطبيعيين ومن أغلبيته الرئاسية، ومن حصانته التي يكفلها له الدستور؛ وذلك عن طريق بدعة “الأفعال المنفصلة” المستوردة من تعديل 2007 الدستوري في فرنسا! ذلك التعديل التي لا علاقة لنا به من قريب ولا بعيد.
هيئة الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز