اللحمة الاجتماعية ورهانات الوحدة الوطنية في موريتانيا / د.محمد الراظي بن صدفن

أحد, 12/07/2020 - 11:55

يرجع مفهوم اللحمة من حيث الاصطلاح اللغوي الي فعل لحم حيث يقال لحم الحداد الباب اي لأمه وألصق اجزاءه. ولحم الشخص الامر اي أحكمه وأصلحه . وقد استخدم هذا المفهوم ضمن سياقات مختلفة،إقتصادية و إجتماعية وثقافية وسياسية وقانونية وإعلامية ، وأرتبط إلي حد كبير بمفهوم الوحدة الوطنية.  و بالرغم انه لا يوجد تعريف جامع موحد لمفهوم الوحدة الوطنية ، فإنها تحيل الي مفاهيم محددة مثل الإنتماء والولاء والمواطنة والتي هي في الاساس مفاهيم متداخلة وتصب كلها في توفير الأسس الموضوعية التي لا يمكن أن يقام أي بناء وحدوي إلا علي أساسها. وتأسيسا عليه ، فإننا نعتبر أن الوحدة الوطنية هي إندماج إجتماعي بين شرائح المجتمع كافة تحت حكم واحد ضمن وحدة ترابية وفي ظل دولة واحدة يدينون لها بالولاء والإنتماء والحب ويسهرون علي بنائها من أجل تحقيق مصلحة واحدة ومشتركة. وهذه الوحدة ينظر إليها الجميع بأنها خط أحمر  لا يسمح لإي كان أن ينال منها ، وتشكل في الوقت الراهن هاجسا رئيسا يشغل بال السياسيين والإجتماعيين وصناع القرار  السياسي والسلطة التنفيذية والتشريعية علي حد السواء . وقد ذهب بعض المفكرين المهتمين بالشأن الاجتماعي الي إعتبار الوحدة الوطنية  بأنها تعبير عن مجموعة من القيم الروحية والأخلاقية قبل كل شيء ، وأنها نتاج لمرحلة من مراحل تطور الأمة يشترك فيها أفرادها في أمجاد الماضي ورغبات الحاضر وآمال المستقبل. وعلي ذكر الماضي سوف نتوقف عند محطات ثلاثة من تاريخنا الحديث والمعاصر  بدءًا بفترة ماقبل الاستعمار مرورًا بالعهد الاستعماري وانتهاءا بمرحلة الدولة المستقلة وذلك من أجل إستجلاء الحقيقية وإبراز مكامن الإختلالات التي تحول دون الوصول الي الوحدة الشاملة المنشودة.

١-مرحلة ماقبل الاستعمار

لقد عرفت البلاد الموريتانية خلال الفترة الحديثة من تاريخها هجرة القبائل العربية المعقلية المعروفة محليا( بقبائل بني حسان) والتي وصلت طلائعها الاولي منطقة ادرار سنة ١٥٠٩م . وقد أثرت هذه الهجرة بطابعها المتميز علي مجريات الأمور بالمنطقة علي أكثر من صعيد بعد تمكن هذه القبائل من بسط سيطرتها السياسية والإجتماعية عن طريق هيمنتها علي المجال الترابي في أواخر القرن ١٧ م . وقد أسست كيانات سياسية خاصة بها عرفت باسم الإمارات البيظانية في كل من ادرار ( إمارة اولاد يحيا بن عثمان) والترارزة( أولاد أحمد بن دامان) ولبراكنة( أولاد عبد الله) وفي الاراضي الممتدة من تكانت بإتجاه الحوضين( إمارة أولاد امبارك) وفي مرحلة لاحقة قامت إمارة إدوعيش في تكانت.  

و تأتي كل هذه التطورات تزامنا مع تحول المركز الثقل الإقتصادي و الإجتماعي و السياسي نحو ساحل الأطلسي و المناطق

المحاذية له خلال القرن ١٦م. وذلك بفعل إزدهار التجارة 

الأطلسية التي أصبحت تلقي رواجًا كبيرًا لدي السكان المحليين ولدي الإنكليز والفرنسيين والهولنديين علي وجه الخصوص الذين أسسوا مراكز للتبادل التجاري علي هذه السواحل أهمها:( بورتانديك وأركين وسانلويس ).وقد كانت الشركات التجارية التابعة لهذه الدول تدفع إتاوات لأمراء البيظان مقابل تأمين عمليات التبادل التجاري في هذه المراكز وهو ما أعتبر وقتها إعترافًا ضمنيا من هذه الدول بمشروعية النظام الأميري القائم و بفعاليته. لقد أرتبطت هذه الإمارات بعلاقات ودية مع المجموعات الزنجية وأقامت تحالفات قوية معها، وهو مايمكن إعتباره شواهد تاريخية حية علي أن التعدد الإتني والثقافي لم يكن يطرح مشكلة ولا يمكن إعتباره عائقا أمام توحيد المجموعات الإجتماعية لتحقيق مصالحهم المشتركة. فعلي سبيل المثال، قام محمد الحبيب أمير الترارزة بعقد تحالفات قوية مع إمارة والو ووطد أواصر اللحمة الإجتماعية معها من خلال المصاهرة. وقد سار علي هذا النهج أمراء لبراكنة الذين نسجوا علاقات أخوة وتضامن وتحالف قوية مع مجموعات نافذة من قبائل الفلان التي تقطن مجال الإمارة. هذا في حين إمتازت العلاقات بين أمراء إدوعيش وقبائل الصوننكي والفلان في كل من كيديماغا ولعصابا بالجدية والفاعلية حيث كانوا سندهم في كل القضايا المصيرية ويلعبون إلي جانب ذلك دورا محوريًا في توطيد اللحمة الإجتماعية عبر علاقات السلم وحسن الجوار التي ربطتهم مع سائر قبائل المنطقة. أضف إلي ذلك أن العامل الديني هو الآخر شكل رافدا مهمًا من روافد هذه الوحدة بين هذه المجموعات وذلك من خلال إنتشار المذهب المالكي السني الذي ساد تقريبًا في كامل منطقة الغرب الإفريقي وفي جنوب الصحراء،وهو ماساهم في إنتشار الثقافة العربية الإسلامية وعلومها علي نطاق واسع وإعتماد اللغة العربية لغة رسمية للمعاملات التجارية والمراسلات وتوثيق المعاهدات والعقود. كما لعبت الطرق الصوفية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر أدوارا بارزة في تضييق الهوة بين جميع المكونات الإجتماعية ووفرت إطارا مناسبًا لرتق النسيج الإجتماعي من خلال تعميق العلاقات مابين قبائل البيظان أنفسهم من جهة، وبينهم وبين المكونات الزنجية من جهة أخري. وقد أثرت هذه الطرق تأثيرا إيجابيا داخل البلاد وخارجها وأستمر إشعاعها الثقافي والديني حتي مجيء  الإستعمار وخضوع البلاد للإدارة الإستعمارية المباشرة.

 ٢- مرحلة الإستعمار 

لقد بات من المعروف أن السياسة التي انتهجتها الإدارة الإستعمارية في موريتانيا هي في الأساس سياسة إحتواء politique  assimilation  ترتكز علي العامل الثقافي في تحقيق مصالحها الإقتصادية والإجتماعية. ولهذه الأسباب فان نظام المدرسة الإستعمارية الذي أنتهجته منذ البداية يهدف الي تحقيق هذه الغاية عبر إختراق البناء الإجتماعي الذي كان سائدا. ولتحقيق أهدافها ، قامت سلطات الإستعمار بتطبيق سياسة إنتقائية واضحة المعالم من خلال إعطاء الأولوية لتنمية الجنوب علي حساب الشمال والسكان الحضر علي حساب السكان الرحل والزوايا في مقابل حسان  والزنوج في مقابل البيظان وهو ما أسمته سياسة الأجناس politique de race. ولم تقتصر هذه السياسة التمييزية علي البعد الإجتماعي بل شملت جميع المجالات الأخري . ففي مجال التعليم تم تهميش المدارس الخاصة بالسكان البدو الرحل وأعطيت الأولوية للمدارس الحضرية في عاصمة المستعمرة وكذلك المدارس الجهوية في عواصم الدوائر الإدارية الإستعمارية.كما طالت سياسة التمييز المجال الضريبي حيث التفاوت الواضح  بين الضرائب المفروضة علي مواشي الزنوج وتلك المفروضة علي المواشي المملوكة من طرف البيظان. كما تعدت ذلك لتطال التوظيف في الإدارة والولوج الي الخدمات العامة وفي مجال تشييد البني التحتية. وعلي رغم من سلبية هذه السياسة التمييزية الواضحة الهادفة إلي تمزيق المجتمع والنيل من وحدته الثقافية والحضارية عبر ترسيخ ثقافة الأجنبي وترسيم لغته بهدف بسط نفوذه في البلاد ، فإنها قوبلت برفض قاطع من المؤسسة الإجتماعية مدعومة بمواقف حازمة من رجال الدين  في وثبة تضامنية غير مسبوقة أعتبرها المؤرخون شاهدًا حيا علي قوة القواسم المشتركة بين المكونات الموريتانية وعلي فعالية دورها التضامني في القضايا المصيرية للأمة.

وتعتبر فتاوي المختار ولد أبلول في لبراكنة الهادفة إلي مقاطعة النصاري ومدارسهم ودعوة محمد العاقب بن ما يابا في أركيبة عدم التعامل معهم والهجرة في وجههم وإعلان الشيخ حماه الله في الحوض الجهاد ضدهم أمثلة حية. هذا علاوة علي الدور الذي لعبه الحاج محمود با رحمه الله في الكوركول بعد عودته من الحجاز سنة ١٩٤١ وتأسيسه مدارس الفلاح المناهضةللإستعمار و ثقافته. وقد ساهمت هذه المدارس في ترسيخ علوم اللغة العربية والتعاليم الإسلامية في جزء كبير من القارة الإفريقية. وشكلت توجهات الحاج محمود با الإصلاحية إزعاجًا كبيرًا لسلطات الإستعمار ودفع ثمنًا باهظًا بسبب مواقفه الوطنية 

المعلنة.

ولاشك أن كل هذه الجهود الوحدوية أضرت إلي حد كبير بالمشروع الإستعماري في موريتانيا وكانت عاملًا حاسما في إخفاق سياسته التعليمية. ففي سنة ١٩٥٣م أشار بيير مسمير Pierre messmer والي موريتانيا إلي الإخفاقات التي عرفها النظام التعليمي الفرنسي نتيجة للمعوقات الكبيرة المتمثلة في شساعة البلاد والطبيعة البدوية لأغلب سكانها وأخيرا الفتاوي والحجج الرافضة لهذا النوع من التعليم ...

ويمكن مرد ذلك إلي أن المقاومة الثقافية كانت متشبثة قبل كل شيء بطابعها الديني، معتبرة أن القبول بالتعليم الفرنسي من حيث المبدأ هو قبول بأطباع الفرنسيين وثقافتهم ومعتقداتهم وهو مايتناقض مع مبادىء الدين الإسلامي الذي يشكل الهوية الجامعة لكل الموريتانيين علي إختلاف مشاربهم وأعراقهم. ومع ذلك فإنه لابد من الإعتراف بأن سياسة الإستعمار الثقافية وإن كانت لم تحقق النجاح المطلوب، فإنها أفرزت عقلية جديدة وواقعا معيشيًا جديدا وتركت بصماتها واضحة علي المشهد السياسي والثقافي في فترة ما بعد الإستقلال. ٣- مرحلة مابعد الإستقلال 

لقد واجهت الدولة الموريتانية بعد حصولها علي الإسقلال تحديات مختلفة ومتشعبة شملت جميع مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وغيرها. وقد مثل وضع إطار تنظيمي ومؤسسي للدولة المستقلة اهم إنشغالات الحكومة آنذاك التي أنصبت جهودها في إقناع الموريتانيين جميعًا بضرورة الولاء التام لهذا الكيان السياسي الجديد، وترسيخ مفهوم الدولة الوطنية علي حساب الولاءات والإنتماءات القبلية والفئوية الضيقة وإرساء دعائم دولة القانون والعمل علي تقوية أجهزة الدولة. ونظرا  لماتم تحقيقه في هذا الصدد من تنامي الوعي الداخلي بأهمية التضامن والتماسك بين مختلف مكونات الشعب وصيانة مكاسب الإستقلال خصوصا بعد الطاولة المستديرة التي عقدت في يونيو ١٩٦١م  فان ذلك لم يمنع الدولة الناشئة من مواجهة التحديات الناجمة عن تطبيق الإصلاح التربوي الجديد الذي إعتمدته السلطات  والقاضي بإلزامية اللغة العربية في المناهج الدراسية . وقد أثار هذا الاجراء حفيظة الطلاب الزنوج الذين رأوا فيه سياسة عنصرية منتهجة  من طرف الحكومة وهو ما طرح للمرة الأولي وبشكل جدي إشكالية الهوية الثقافية لكل المكونات والسبل الكفيلة للتعايش بينها. وتجاوبًا مع هذه الوضعية سارعت الحكومة إلي تشكيل لجنة عهد إليها بدراسة أنجع السبل لتطوير اللغات الوطنية وإدراج تدريسها ضمن المقررات الدراسية وبذلت جهودًا كبيرة في هذا المسعي ، إلا أن انقلاب ١٩٧٨م حال دون وصول هذا الملف للنتائج المرسومة. ونتيجة لذلك فقد ظهرت عدة تنظيمات زنجية مثل الحركة الشعبية الإفريقية في موريتانيا ( mpam) ومنظمة الدفاع عن مصالح الزنوج في موريتانيا ( adinam ). وخلال الثمانينات تم تأسيس جبهة تحرير الأفارقة الموريتانيين ( flam ) . إضافة إلي ذلك فقد جاءت أحداث ١٩٨٧م أثر محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قام بها بعض الضباط الزنوج لقلب نظام الحكم بالقوة العسكرية وأحداث ١٩٨٩م بين موريتانيا والسينغال التي أدت إلي مواجهات عرقية للأسف عمت تراب الدولتين والتي سقط خلالها عشرات الضحايا من الشعبين لتزيد من تعقيدات هذا المشكل.

وفي مجال تحقيق العدالة الإجتماعية، فقد مثل ملف الحراطين ( اي العرب السمر ) همًا كبيرا بالنسبة لحكومة الإستقلال التي جعلت  ترقية الفئات الهشة من أولويات سياستها الإقتصادية والإجتماعية الرامية الي تحسين الأوضاع المعيشية لهذه الفئة والقضاء علي ظاهرة العبودية ومخلفاتها.وفي هذا الإطار ، فقد  شيدت الدولة خلال الستينات العديد من السدود والآبار لفائدة تجمعات آدوابة، وشجعت  التمدرس  في أوساط هذه الفئة ،حيث لم تتجاوز نسبته عند الإستقلال خمسة بالمائة.

لقد تسببت أزمة الجفاف التي عمت جميع التراب الوطني خلال أواخر الستينات وبداية السبعينات في تدهور الإقتصاد الريفي المعتمد أساسا علي الزراعة وتربية الماشية ونجمت عنها موجة نزوح كبيرة من الأرياف إلي المدن بحثا عن ظروف حياة أفضل. وحسب إعتقادنا أنه إذا كانت هذه الأزمة قد قوضت أسس النظام الإقتصادي التقليدي الذي كان حاضنا ومشجعا لممارسات الإسترقاق ، فإنها زادت الي حد كبير من هشاشة هذه المجموعة التي كانت تمثل الأغلبية الساحقة من  سكان مدن الصفيح التي تشكلت حول المدن الكبري وفي أطراف العاصمة أنواكشوط.

لقد أدت هذه الهجرة إلي زيادة أعباء الدولة الوليدة التي لم تكن أصلا مهيأة لمواجهة مثل هذه التحديات، في وقت إستنزفت فيه حرب الصحراء الغربية كل الموارد المخصصة للتنمية وهو ما أضعف من فاعلية وأداء السلطة المركزية التي كانت عاجزة عن التجاوب مع حل المشاكل المطروحة. وخلال فترة الثمانينات، صدرت قوانين إلغاء الرق ، غير أنها لم تحظ بإجراءات مصاحبة تستهدف القضاء النهائي علي مخلفات وتوابع هذه الظاهرة أي غياب برامج تنموية وسياسات إقتصادية ذات مغزي تمكن من تحسين أوضاع الحراطين المعيشية. لهذه الأسباب فقد نشطت نخب سياسية وحركات مدافعة عن حقوق الحراطين وتطالب بمشاركتهم بصفة واسعة في الحياة السياسية ،من أبرزها حركة الحر.وفي نفس السياق، ظهرت علي الساحة السياسية خلال مرحلة مابعد الإستقلال حركات قومية وعروبية تطالب بتعريب الإدارة وتؤكد علي الهوية العربية والإسلامية للبلاد وتدعو إلي إشراك عنصر البيظان الذي يمثل الأغلبية الساحقة من الشعب حسب وجهة نظرها في جميع إدرات الدولة وفي دوائر صنع القرار. كما أسست حركات ذات توجهات إسلامية وأخري تقدمية يسارية. وفيما يبدو فإن كل هذه الحركات قد شاركت وبفعالية في الحراك السياسي خلال العقود الأربعة الماضية وأستخدمت جميع المنابر الإعلامية والثقافية والنقابيةوالطلاببة للتعريف بوجهات نظرها من مجمل القضايا الوطنية. وقد إحتدم هذا الحراك في أواخر الثمانينات من القرن الماضي مع تدهور الوضع الإقتصادي للدولة بسبب تراكم العجز في ميزان المدفوعات وتنامي المديونية الخارجية و إرتفاع مستويات الفقر في الأوساط الإجتماعية الهشة وزيادة معدلات البطالة وتراجع دور القطاع الصحي وتدني مستوي التعليم وضعف الولوج إلي الخدمات العامة وإنتشار سوء التسيير والمحسوبية وفساد الإدارة وغياب الحوكمة و هي سمات أساسية وعناوين بارزة لإدارة الشأن العام في البلد خلال العقود الماضية. وأمام إستمرار الوضع علي ماهو عليه خلال العشرية الماضية دون تغيير يذكر و تزايد خطابات الكراهية والعنصرية المقيتة التي أصبحت تهدد اللحمة الإجتماعية والسلم الأهلي ،فقد بات من الضروري القيام بجهد إصلاحي عبر تبني سياسات ملائمة ومعقلنة لمواجهة هذه التحديات الجديدة،وهذا ما أدركه مبكرا فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي جعل من كسب رهان تحقيق الوحدة الوطنية ركيزة أساسية من ركائز برنامجه الإنتخابي.

وفي هذا الاطار، فإننا نعتبر أن خطاب الطمأنة الذي وجهه سيادته بعد تنصيبه رئيسا للجمهورية لمختلف أنواع الطيف السياسي في البلاد واللقاءات التي خص بها معظم الفاعلين السياسيين و الإجتماعيين والشخصيات المحورية الوطنية يمكن البناء عليها للمضي قدمًا في بلورة حوار وطني شامل يشارك فيه الجميع من أجل وضع التصورات والحلول الناجعة لجميع المشاكل المطروحة وفي مقدمتها توطيد اللحمة الإجتماعية الذي هو الشرط الأساسي لتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة.

ومن أجل بلوغ هذا الهدف فإننا نوصي بما يلي:

- التأكيد علي أهمية تحسين الأوضاع المعيشية للفئات الهشة، ولذلك فإن إنشاء وكالة تآزر تعتبر خطوة في الإتجاه الصحيح ويجب دعمها بكل الموارد اللازمة لتحقيق أهدافها ،

- زيادة الإنفاق الحكومي علي البرامج الإجتماعية،

- تحقيق الإكتفاء الذاتي في مجال الغذاء من خلال العمل علي تطوير الإنتاج في المجالين الزراعي والرعوي،

- خلق الثروة من خلال تنويع الإقتصاد وزيادة الإستثمار في القطاعات الحيوية ،

- إيجاد نظام موحد للقيم مع التركيز علي المشتركات الثقافية والحضارية لأن الثقافة تعتبر مصدر قوة دافعة لإحداث التماسك والترابط داخل المجتمع وهي تؤثر في سلوك الفرد وقيمه السياسية وبالتالي تلعب دورًا رئيسا في تحقيق الوحدة،

- تفعيل التواصل بين الدولة ومواطنيها وضمان تمثيل جميع المكونات في جميع مؤسسات الدولة وتحقيق المساواة بين جميع المواطنين أمام القضاء وفي الولوج إلي الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم والماء والكهرباء وفي مجال التشغيل ،

- إقامة نظام تربوي قوي وموحد متفق عليه من طرف الجميع يراعي خصوصيات البلد الثقافية والحضارية،

- إعادة الإعتبار للمدرسة الجمهورية الجامعة والتي أثبتت في الماضي نجاعتها في تعزيز التمازج بين الشباب من جميع المكونات ولعبت دورا محوريًا في تربية الأجيال علي التشبث بالهوية الوطنية من خلال تقديس الرموز الوطنية وحب الوطن وتقوية الولاء له في أنفسهم ،

 

- التأكيد علي صيانة الحريات الفردية والجماعية كباعث أساسي لتجذير الديموقراطية التعددية التي هي الحل الوحيد الضامن للحقوق المدنية والسياسية لمختلف فئات الشعب.

- التصدي لكل الفتن الداخلية من خلال سن تشريعات تجرم كل من يتعرض للوحدة الوطنية بالقول أو الفعل وعدم التساهل مع كل التصريحات التي تدعو الي التمييز بين المواطنين ورفع شعارات الطائفية والعنصرية مهما كان مصدرها،

- تجاوز إشكاليات الماضي بكل تعقيداته والنظر الي المستقبل من طرف الجميع بروح التسامح والتفاؤل لأن الوطن لايمكن أن يظل حبيسًا لموروثه التاريخي ، وهنا يجب علي الدولة أن تقدم كل الضمانات اللازمة لإنطلاقة جديدة نحو تنمية شاملة ومستدامة .

ومن أجل مواكبة هذه الإصلاحات يبقي دور الإعلام في التعبئة والتحسيس حول أهمية وضرورة تقوية الولاء لدولة المواطنة علي حساب الولاءات الفئوية والطائفية الضيقة حاسما.وذلك بواسطة تفعيل دور الإذاعات الجهوية التي تلامس هموم المواطنين ويتفاعلون مع برامجها المختلفة التي تتناول أهم قضاياهم التنموية. كما يجب علي العلماء ورجال الدين وقادة الرأي وسائر نخب البلد السياسية والثقافية الحث علي العمل بقيم العدل والمساواة والتعاون والتعاضد بين جميع أفراد المجتمع وذلك في كنف دولة القانون والمؤسسات.

ويبقي الرهان الأكبر معقودا علي الله أولا و علي رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي وضع المصلحة العليا للبلد فوق كل الإعتبارات الطائفية والعشائرية والعرقية والقبلية والمنفعية والجهوية وهو ما يؤدي في النهاية إلي  مساندته من كل الشعب والإلتفاف حول مشروعه المجتمعي الذي سيحقق بإذن الله اللحمة المطلوبة لإقامة الوحدة الوطنية الشاملة.