أزوكي ميديا( انواكشوط)-من أكثر الآراء النسوية نبلاً وشجاعة موريتانية ليبية عاشت حياتها بليبيا
تشاركنا اليوم بعضاً من تجربتها و رؤية تقاربية بين الوضع في ليبيا و موريتانيا بكل شفافية وصدق:
"لا تتزوجي ليبياً" ، هكذا كانت تنصحني كلما تحدثنا حول الموضوع…
انها قريبتي التي تزوجت من رجل ليبي، من احدى المناطق الأكثر تزمتاً، هل كان ذلك السبب في معاناتها؟ هل كان السبب هو محاولة اقتحام مجتمع منعزل لا يفضل التواصل مع الأجانب ما بالك بالزواج منهم؟
كانت تخبرنا عن سنوات عجاف عاشتها وهي زوجة في عمر صغير جدا، فلم تتجاوز حينها 15 سنة، عن حملها وعن العمل الشاق داخل المنزل والذي لم تعتد عليه، فنحن كموريتانيات لا نتلقى نفس الضغط كربات بيوت، إذ يختلف الوضع عندنا عن باقي الدول العربية ككل، كانت "فاطمة" وهو الاسم الذي اخترته لها تروي لنا كيف كان زوجها يجبرها على رفع الاثقال اثناء حملها، وكيف كانت ساعات راحتها محدودة ، كل ذلك حدث منذ زمن بعيد مع النساء في ليبيا ، ويحدث الآن لكن بشكل أقل حده.
انا التي عشت في ليبيا اغلب سنوات عمري وتشكلت شخصيتي وهويتي منقسمة بين بلدين، بلورت قصص فاطمة الزوجية جزءً كبيرًا جدا من آرائي حول الحياة الزوجية.
لطالما كانت حياتي وافكاري حول الزواج تتأرجح ما بين صورة الرجل الليبي الذي يحتمل بشكل كبير ان انتهي معه بكارثه او الموريتاني الذي لا اعرفه ولا اعرف طباعه، مشوشة حول ما تعانيه الموريتانية وما تعانيه الليبية.
كل تلك القصص التي كانوا يمطروننا بها ونحن صغار حول ما يجب ان يكون عليه الرجل الذي يصلح للزواج وبأقل الأضرار ، جعلتني اعيد التفكير مرارا وتكرارا حول موضوع الزواج بشكل عام،
فهذا الخليط الهوياتي الذي احمله ونسويتي التي نشأت من رحم معاناة النساء في كلا الجانبين، امور شكلت شخصيتي وصقلت جدارا متيناً من الرفض للرجال الليبيين والموريتانيين على حد سواء، ان لم يكن لكل الرجال، فأنا أذكر كيف كنت أمازح أمي حين تلح علي كي أتزوج موريتانيا ، كنت أقول لها" كان حد حط الرجل الموريتاني والليبي في خلاط بيطلعلك راجل يحترم النساء" وهو ما اعتقدته بعد دراسة ايجابيات وسلبيات الإثنين في قالب من الكوميديا السوداء.
كنت غير قادرة على فهم كل تلك المعاناة التي تعانيها النساء في كلا البلدين، ففي ليبيا على سبيل المثال الرجال هناك معنفين الا ما ندر، والعنف امر طبيعي ومقبول لدى غالبيتهم، معايشة ذلك جعلتني أؤمن يقيناً بأن المرأة الليبية هي فعلا " امرأة حديدية ، فما تتحمله من مشقة تبدأ بتحملها عبء شؤون المنزل بشكل مبالغ به، ولا تنتهي بالقيود المفروضة عليها من كل جانب.
اذكر جارتنا التي تستيقظ باكرا وتستمر في ذلك الكد حتى ساعات متأخرة من الليل حتى أصابها التهاب المفاصل وهي في الثلاثين من عمرها، اذكر كيف كانت رؤيتها في كل مرة تجعلني انفر من الزواج جملة وتفصيلا، الان تلك كانت صورة الزواج بالنسبة لي، بالمقابل وكنموذج حي لفتاة تربت في كنف امرأة مطلقة، كنت ارى صورة أمي تتحمل عبء دراستي وتقوم بدور الأب والأم معا، ثم اتذكر كيف هي الحياة مع موريتاني، حسنا الموريتاني قد لا يستعمل معكِ العنف ، لكنه على استعداد أن يترك كل شيء ويذهب ، قد تستيقظين يوما وتجدين زوجك وأب اطفالك قد "هرب" من مسؤلياته تاركا إياك لكي تقومي بدورك ودوره معا، وهنا جائت مقارنتي الدائمة بين الرجل الليبي والموريتاني، النساء في البلدين ومع اختلاف معاناتهن، يبقى الجلاد هو نفسه..
ومع كل ذلك لا يسعني إلا أن اغضب وأثور حينما يخبرني أحد المتبجحين المحتكرين للحق والفضيلة عن تكريم النساء العربيات، لسنا مكرمات ولم نطلب ذلك حتى، لم نطلب سوى أن يتم التعامل معنا كبشر نتساوى مع من نصبوا أنفسهم حراس فضيلة وشرعوا ما اعتبروه في مصلحة الجميع، وهو لا يعدو كونه تشريع يصب في مصلحتهم الخاصة ويُقنن مع مرور الزمن دكتاتوريتهم الذكورية.
سلطانة خليفة