أزوكي ميديا (انواكشوط)-لا يعد تمكين المرأة دعما أو منحة مجانية ممنوحة للنساء كما يرى بعض المجتمعات، وإنما هو عملية اكتساب القوة من أجل السيطرة على الحياة الخاصة وعلى الموارد المادية، والسعي لاكتساب القوة ليس مرحلة مؤقتة وإنما هو عملية تتصف بالديمومة وبالتالي لا يمكن وصفها بالمرحلية.
ومن الناحية الإجرائية تم تعريف التمكين بأنه عملية تعني توفير الوسائل الثقافية والتعليمية والمادية حتى يتمكن الأفراد من المشاركة في اتخاذ القرار والتحكم في الموارد وحددت أهدافها في القضاء على كل أنواع تبعية المرأة واستكانتها سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا.
وفي سياق الحديث عن التمكين السياسي للمرأة الموريتانية فالمقصود هو وصول المرأة إلى مراكز صنع القرار والمراكز التي تؤثر في صنع القرار ووضع السياسات ، فالمؤسسة البرلمانية وإن كانت من أهم الأجهزة المشاركة في صناعة القرار ورسم السياسات في موريتانيا إلا أنها ليست الوحيدة المتفردة في صنع القرار حيث أن هناك مؤسسات أخرى كالمؤسسات القانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي تلعب دوراً هاماً في صنع القرار أو تؤثر فيه.
وقد رأت المرأة الموريتانية ولادة جديدة لتمكينها السياسي منذ ترشح فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يمتلك إرادة سياسية قوية في إشراك المرأة وهو ما تجسد في برنامجه الانتخابي(تعهداتي) حيث خصص محورا لتمكين المرأة بما فيه التمكين السياسي.
"فعلى الرغم مما بذلته، وتبذله، بلادنا من جهود في التمكين للمرأة، سياسيا و اقتصاديا، فإن حضور النساء في التمثيل السياسي، والدوائر الاقتصادية والانمائية، عموما، لا يزال دون ما تتطلع إليه المرأة الموريتانية ولذا فإن علينا جميعا، خاصة في أفق الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أن نغتنم جعل السلطات العمومية مكافحة الغبن والتهميش موجها لسياساتها العمومية، وكذلك توسيعها النسبية، دعما لإشراك الجميع، لنعزز معا التمكين السياسي للمرأة " على قول السيدة الأولى مريم فاضل الداه.
كما أطلقت السيدة الأولى حملة أنصار التمكين السياسي للمرأة الموريتانية من أجل استنهاض الهمم، لزيادة المشاركة السياسية للمرأة خلال الحملة الانتخابية المقبلة.
وتتمتع المرأة الموريتانية بلائحة وطنية خاصة بها، دون حصتها من اللوائح المختلفة (الوطنية، الشباب) واللوائح المحلية، والتي تعد خطوة هامة في طريق تمكين المرأة على المستوى السياسي.
و تسعى موريتانيا إلى بلوغ النساء نسبة 40٪ من المناصب الانتخابية، عبر حملة توعية على مستوى الأطراف المعنية بالانتخابات المقبلة.
وقد خلصت دراسة أعدتها وزارة العمل الاجتماعي والطفولة والأسرة في موريتانيا إلى وجود تناقض بين القوانين التي تشرع الكوتا الخاصة بالمرأة في السياسة والإدارة، وبين تطبيقها في الحياة اليومية في مختلف الدوائر الرسمية والمستقلة.
وتأتي هذه الدراسة التي أعدتها الوزارة خلال شهر مايو من السنة المنصرمة ضمن مشروع عربي حول "التمكين السياسي للمرأة صيغ مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية فعالية واستدامة مشاركة المرأة في القرار السياسي عبر نظام الكوتا" وذلك ضمن ورشة افتراضية أدارتها منظمة المرأة العربية بتاريخ 10/5/2022.
وحسب الدراسة فإن المرأة الموريتانية استفادت من نظام الكوتا، حيث أصبحت النساء تمثل 20% من أعضاء الحكومة، وذلك بحضور 5 وزيرات إضافة إلى مفوضة الأمن الغذائي، وفي البرلمان تمثل المرأة أيضا بنسبة 20% تمثلها 31 برلمانية من أصل 157 هم مجموع أعضاء البرلمان المنحل.
فيما تصل نسبة النساء في المجالس البلدية إلى 34%، وفي مختلف أسلاك موظفي ووكلاء الدولة الموريتانية تحتل المرأة حوالي 35%، فيما تمثل النساء 52% من الموريتانيين وفق الدراسة المذكورة.
واعتبرت الدراسة أن حضور المرأة تعزز خلال العقود المنصرمة، لكن ما يزال محتاجا لتشريعات أخرى وتمييز إيجابي.
ودعت الدراسة في توصياتها الختامية إلى إصلاحات تشريعية وإدارية تعزز حضور النساء في المناصب الانتخابية والإدارية، وبذل الأحزاب السياسية المزيد من العمل لتفعيل وتطوير "كوتا النساء".
*المعوقات التي تعترض التمكين السياسي للمرأة الموريتانية
فتغليب المقاربة الكمية على حساب النوعية، لا يعطي صورة حقيقية عن مشاركة المرأة الموريتانية في السياسة والمجتمع، والذي بمقتضاها تقاس المشاركة فقط بالعدد والنسب المئوية المحصل عليها، مع إهمال الجانب الكيفي المتجسد في المردودية والقيمة المجتمعية المضافة.
والتي يمكن قياسها من خلال معرفة مدى تطور الأنماط الثقافية السائدة حول دور المرأة في الحياة العامة، ومدى حضور الوعي المساواتي لدى النساء؛ و مدى الحرية التي تتمتعن بها في اتخاذ القرارات على صعيد الأجهزة التقريرية.
فقد أبانت بعض تجارب التسيير الجماعي على سبيل المثال أن النساء لا يلجئ إليهن إلا كورقة انتخابية وفي فترات التصويت على الحساب الإداري أو الميزانية أو تشكيل بعض اللجان، بينما عمليا لا يشاركن في صياغة المشاريع والبرامج.
كما يعد استمرار مفعول مقولات الثقافة الذكورية وتمثلات التنشئة التمييزية والتقسيم الجنسي التقليدي للعمل و التي تعتبر المرأة غير مؤهلة فيزيولوجيا للمشاركة في الحياة العامة وللعمل السياسي.
ولولوج مراكز القرار ومشاطرة المرأة الموريتانية ذاتها لهذه المقولات بفعل عوامل التشريب والترسيخ التي تخضع لها عبر مسلسل التنشئة الاجتماعية.
وسوسيولوجيا تظل الأغلبية الصامتة من النساء غير معنية بقضايا المشاركة في التمكين السياسي ، بفعل الحركة النسائية الغير متجذرة في النسيج المجتمعي و المنعزلة عن جماهير النساء خاصة القروية، الأمر الذي يزيد من عمق الإقصاء والهامشية.
السالكة حمد