كيف نعمل بالإسلام كما هو لننعم بذلك في الدنيا ونسعد به في الآخرة / محمدّو بن البار

أحد, 11/04/2021 - 21:46

هذا العنوان جاء مؤقتا برمضان بدل العنوان العام وهو ( للإصلاح كلمة ) الذي كان يأتي لمناقشة عموم أهل الدنيا وتارة كان يلتفت إلي هموم أهل الآخرة، وذلك لارتباط هذه الدنيا بالآخرة في أي عمل يعمله الإنسان يقول تعالي : {{ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب }} وقوله تعالي : {{ من كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا }}.

ونظرا إلي أن شهر رمضان المبارك له خصوصيات جمعت بين الدنيا والآخرة منها نزول هذا القرآن فيه، هذا القرآن الذي قال فيه المولي عز وجل إنه تبيانا لكل شيء وهدي ورحمة وبشري للمسلمين، فينبغي لكل مسلم أن يراجعه دائما في هذا الشهر ليأخذ منه دينه مباشرة كما جاء في الحديث أن جبريل عليه السلام كان يراجع القرآن للرسول صلي الله عليه وسلم في رمضان إلي آخر الحديث وتفصيلاته.

هذا الإسلام المعنون بالعمل به كما هو: له خصائص لا بد أن يفهمها المسلم كما وردت في القرآن، فمن هذه الخصائص أنه هو الواصل بين الدنيا والآخرة، فليس بعده دين كما أنه هو الدين العام الذي أرسل به النبي صلي الله لكل فرد من الإنس والجن وهو الذي جاء معه كتابه المفصل له ومحفوظ معه مدة وجود الإسلام علي الأرض حتى يأتي وعد الله.

فمن يؤمن بهذا الدين يؤمن بما جاء مفصلا في القرآن الذي أنزل كما قال تعالي : {{ وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين ءاتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين}}.

وكل مسلم اتصف بهذه الصفة وهي الإيمان بأن هذا الكتاب جاء كاملا ومفصلا من عند الله يؤمن بالآيات المحكمات فيه التي جاءت تذكر هذه الخصوصية وهي قوله تعالي : {{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}} ، ويفهم من لفظ هذه الآية وفحواها أن جميع الدين الإسلامي تم كله عند نزول هذه الآية ولم يبق إلا العمل به طبقا لما جاء في القرآن لأن الآية جاء من ضمنها عبارة توحي طبقا للبلاغة العربية التي نزل بها القرآن أن جميع الدين الإسلامي كمل عند نزول الآية، فكلمة "دين" نكرة أَضافها الله إلي جميع المخاطبين وهي تعم كما هو مفصل في أصول الفقه بمعني أن جميع دينكم قد أكملته لكم في هذا القرآن وهذه الآية جاء حديث صحيح يفسرها بنفس معناها وهو حديث جبريل عليه السلام، فبعد أن جاء جبريل عليه السلام للنبي صلي الله عليه وسلم وسأله أمام الصحابة عن الإيمان والإسلام والإحسان فأجابه النبي صلي الله عليه وسلم بالجواب المعروف المفسر لكل من الإيمان والإسلام والإحسان فصدقه جبريل علي ذلك الجواب.

وعندما ذهب جبريل أراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يفهم الصحابة مغزى سؤال جبريل عن هذه الأشياء أمام الصحابة فقال لهم صلي الله عليه وسلم : ((أتدرون من السائل فقالوا له : الله ورسوله أعلم، فقال : إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم )) بنفس العبارة والمعني الذي في قوله تعالي : {{اليوم أكملت لكم دينكم }}، فهنا أيضا " دين " نكرة مضافة إلي المخاطبين بمعني أن دينكم محصور في الإيمان بمعرفة الله ورسله وكتبه والإيمان بيوم الآخر وبالقدر خيره وشره، وفي الإسلام بالصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلا وفي الإحسان بأن يشعر الذي يعبد الله بأنه إذا لم يكن يري بعينه ذات الله جل جلاله فإن الله يري ذات الإنسان وينظر إليه ساعة عمله فليحافظ علي إفراده بالعمل طبقا لما جاء في الإسلام القرآني، ونظرا لمعني هذه الآية والحديث أعلاه وتحديدها لمعني هذا الإسلام – فإني أود أن ألفت نظر المسلمين إلي أن الزيادة التي أحدثها المتأخرون في هذه العقيدة- وذلك التحديد الصادر من الله عز وجل وبينه الرسول صلي الله عليه وسلم في حديثه امتثالا لقوله تعالي : {{ وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم }}-  فهي زيادة من الشيطان.

 فالقرآن تكلم فيه المولي عز وجل عن نفسه بأنه الخالق لهذا الكون وفصل خلقه للسماوات والأرض وخلقه للإنسان أولا من طين وثانيا علي ما ءال إليه كيفية الخلق بعد ذلك كما نشاهد، وخلق لهذا الإنسان الموت والحياة ليبتليهم أيهم أحسن عملا ، كما أخبر المولي عز وجل في القرآن أنه بعد خلقه مباشرة لهذا الإنسان أمر الملائكة بالسجود له إلا أن هذا الأمر كان يعني جميع الحاضرين ومنهم الشيطان فسجد الملائكة وامتنع الشيطان مباشرة لله جل جلاله قائلا له وبصراحة : {{ لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون }} مبينا – تكبرا – أن النار التي خلق هو منها أفضل وأقوي من مادة خلق آدم وهي الطين.

وبعد هذا االتمرد مباشرة علي الله جعل المولي عز وجل لحكمة أرادها أن يسلط هذا الشيطان المتمرد علي ذرية هذا الإنسان المكرم المسجود له من طرف الملائكة كما أراد الله لحكمة يعلمها هو أن يكون نصيب الشيطان من أبناء هذا الإنسان أكثر بكثير من أتباع ما جاءت به الرسل من عند الله كما هو موضح في القرآن توضيحا باللفظ والصورة والحركة، ومآل ذلك الإنسان المتمرد مع الشيطان في الدنيا مصرح في القرآن بمآله معه في الآخرة يقول تعالي : {{ قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين}}.

هذا التمرد الإنساني تبعا لما يزينه الشيطان وقع عندما أطلق له المولي عز وجل لحكمة لا يعلمها إلا هو بقوله تعالي : {{أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا}}، فكان في معني هذه الكلمات التي أذن الله فيها للشيطان أن يعمل ما في وسعه من الغواية من الصد عن سلوك الطريق المستقيم الذي أقسم الشيطان أنه سيقعد وسطه ولا يترك أحدا يقوم بالاستقامة في سلوك الطريق المستقيم الذي أمر الله بسلوكه حتى قال الشيطان إثر جلوسه علي الصراط المستقيم : {{ ولا تجد أكثرهم شاكرين}}، ومعروف أن معني الشكر هو مدح المنعم علي ما أنعم به علي المحتاج للإنعام، إلا أن الله جل جلاله استثني بحمايته للإنسان من الشيطان قليلا من الأفراد قد اجتباهم واصطفاهم في الأزل فمنع الشيطان من أن تصلهم غوايته : {{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان }}، وهذا جمع قلة بينته الآية في قوله تعالي : {{ وقليل من عبادي الشكور }}، ولمعرفة الشيطان للمولي عز وجل أنه يتصرف كيف شاء أجاب الشيطان المولي بأن المخلصين لله من عباده سوف لا يتوجه إليهم بالغواية، وإذا توجه إليهم بها فهو يائس من التأثير عليهم لحماية الله لهم منه.

هذا وبعد أن أوضحنا البداية لخلق هذا الإنسان وكيف سلط الله عليه هذا الشيطان، وأوضحنا النتيجة التي بين الله لنا في هذا القرآن وهي أن الأغلبية من هذا الإنسان اختارت سلوك الطريق غير المستقيم الذي دعاها إليه الشيطان المتمرد علي أوامر الله تاركة سلوك الطريق المستقيم الذي دعاها الله إليه {{ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض }} ، وبذلك يكون الطريقان اثنين فقط لا ثالث لهما : الطريق المستقيم الذي امر الله بإتباعه، وطريق جهنم الذي دعى إليها الشيطان كما قال تعالي : {{ ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم}}، فإني في الحلقة الرمضانية الموالية إن شاء الله تعالي سأبين أنواع فعل الشيطان في هذا الإنسان لصده عن سلوك الطريق المستقيم، بادئا بغواية الشيطان للإنسان في عقيدة معرفة الله جل جلاله كما وردت في القرآن  ومحاولة الشيطان لزيادة هذا الاعتقاد وتفصيله لمعرفة ذات الله من غير هدي ولا كتاب منير.

وإلي الحلقة الرمضانية القادمة بإذن الله متمنيا للجميع صوما مقبولا وهداية الله المستثناة من غواية الشيطان الواضحة في قوله تعالي : {{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفي برك وكيلا}}.